بسم الله الرحمن الرحيم
" قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين "
كتائب شهداء الأقصى*
لم يكن غريبا:
لم يكن غريبا أن تعيد حركة(فتح) إنتاج نفسها بثوب جديد وإطار جديد يتفاعل مع المتغيرات ، فحركة الشعب الفلسطيني إبداع الانسان الفلسطيني الذي يرى ويلمس ويتعلم ويتطور ، ويخط طريقه على قاعدة المبادأة أو المبادرة تلك الموصولة بفكر الحركة الذي جعل من الالتصاق بالقضية مبدأ ساميا ، ومن فكر التحرر الوطني والجهاد والحرب الشعبية طويلة الأمد منطلقا ، ومن النضال بكافة أشكاله وسيلة تستلهم أفق المرحلة وطبيعتها ومستلزماتها وتصنع وتكون وتبدع الحدث .
عندما انطلقت حركة (فتح) رفضت إدارة الظهر للألم ورفضت الخنوع و موقف المتفرج ، أو الموقف الانتظاري ، وطلقت الترقب والخمول والبكاء على الأطلال ، كما طلقت الشعارات النارية الفارغة للأحزاب العربية فكانت الرصاصة الأولى مع الخيار الصادق للقائد العام ياسر عرفات وصحبه الأوائل للجهاد و للكفاح المسلح ، وعندما رسمت ملامح الأمل الجديد بعد هزيمة 1967 في الانطلاقة الثانية عبر معركة الكرامة الخالدة (21/3/1968) كانت تتجدد وتغتسل بماء الثورة يوما إثر يوم ، قال تعالى ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) الحجرات 15 .
انطلاقة طبيعية :
لم تنطلق حركة فتح منعزلة أو منفصلة عن واقعها وبيئتها وشعبها ، بل جاءت في ولادة طبيعية وتواصل لثورات الشعب الفلسطيني والأمة ضد المستعمر منذ بداية القرن العشرين ، لقد انبثقت فتح من عمق المعاناة والتشرد واللجوء كطليعة للأمة العربية وكرأس حربة مستلة من الغمد الحضاري العربي الإسلامي ، فجهدت في جذب الأمة للانخراط في ركب النضال والصراع المرير ضد الصهيونية والاحتلال والتوسع الذي يبتغي ضرب الأمة العربية وتحطيم أي أمل لها بالتقدم أو الديمقراطية أو البناء أو التوحد . لقد انطلقت حركة (فتح ) لتجاهد في الله حق جهاده بكافة السبل على خطى ثورات الشعب الأبي التي قارعت الاحتلالين الإنجليزي والصهيوني منذ احتلال الجنرال اللنبي لمدينة القدس ، فكانت ثورة العشرين الشهيرة وما تلالها وكانت ثورة الشيخ المجاهد القائد عز الدين القسام (عام 1935) ولعصبته من بعده ثم الإضراب الكبير في العام 1936 ، وكانت ثورة (1936-1939) بقيادة وعت تراث الشعب النضالي و تابعت المسيرة فبرز القائد العام عبدالرحيم الحاج محمد ، والقادة : خليل العيسى (أبو إبراهيم الكبير) وتوفيق الإبراهيم وعارف عبد الرازق وأبوعلي حسن سلامة وعبد القادر الحسيني، وسعيد العاص وغيرهم الكثير من المنارات والمشاعل ، وكان الشيخ الثمانيني الجليل فرحان السعدي والشيخ عطية أبو أحمد من زملاء القسام، وكان فوزي القاوقجي وكان المفتي الحاج أمين الحسيني وكان الكثيرون يحاربون على أكثر من جبهة مؤمنين صادقين مجاهدين ، وتواصل النضال ولم ينقطع مع النكبة عام 1948 .
النكبة وثورة الفينيق
ولم تكن النكبة بالحدث العادي فلقد كانت اقتلاعا من الجذور وشرذمة للفكر والروح وتهديدا للنفس وتعذيبا للجسد فتوزع الفلسطينيون على مساحة الفكر العربي والديني والإنساني لتقوم حركة فتح منذ العام 1957 بتجميع الأنوية المنتشرة في الوطن السليب ، وفي الخليج وفي دول الجوار وفي أوربا في بوتقة واحدة اعتبرت أن فلسطين هي مجال التوحد ومبعث الفعل بغض النظر عن الأيديولوجيات والأفكار، ودعت لنزع رداء الحزبية والتكتل حول هدف التحرير . وما أن أطل فجر يوم 1/1/1965 حتى كان الدوي الكبير للثورة في نفق عيلبون يسمع من دمشق إلى مراكش مرورا بعمان والقاهرة وكافة العواصم .
من دلال إلى الكاتيوشا:
كانت المسيرة تتقدم باتجاه المؤشر الثابت والأهداف الواضحة وحيث البوصلة تشير دوما نحو فلسطين ، وبغض النظر عن مراحل التعطيل ومحاولات التركيع والسيطرة وكسر الإرادة التي مارستها الأنظمة العربية المتخاذلة إلا أن الثورة التي جُرت إلى معارك جانبية خرجت كما طائر الفينيق من تحت الرماد أكثر قوة وعملقة في الأعوام (1970-1971 ) وفي معارك الدفاع عن القرار الوطني الفلسطيني المستقل بعد ذلك ، في خضم التصاعد النوعي لعشرات العمليات ضد العدو الصهيوني ، فكانت دلال المغربي أول رئيس للدولة الفلسطينية في عملية التحرير الأولى التي أودت ب37 قتيلا إسرائيليا في الساحل بين تل أبيب وحيفا في (11/3/1978) وما تلاها من عمليات جريئة ، ومن قيام الفدائيين بإطلاق مكثف لصواريخ الكاتيوشا ضد المستعمرات في شمال الجليل التي جعلت من حياتهم مريرة ما داموا يحتلون بلادنا ، الى أن تصاعدت حدة الهجمة الصهيونية بغزو لبنان عام 1982 ليسجل الفدائيون الفلسطينيون واللبنانيون أروع ملاحم البطولة والإباء في بيروت التي تلقت عشرات الآلاف من قذائف طيارات الحقد الإسرائيلي ، ولتصبح أسطورة الصمود مظهرا عظيما ودرسا للشموخ و العظمة الثورية في العالم .
الانتفاضة الأولى:
ظن الصهاينة -وكانوا وما زالوا واهمين- في الثورة انكسارا هناك في البعيد حيث المنافي ، وهناك في تونس حيث القيادة ولكن إرادة الجبال لا تكسر وإرادة العاصفة لا تلين فكان التآلف البيِّن بين حركة القيادة في الوطن والخارج ، بين أمير الشهداء أول الرصاص أول الحجارة خليل الوزير (أبوجهاد) وصحبه وبين قيادات الوطن ، لتشتعل انتفاضة لم يصبح التاريخ على مثلها من قبل ( بين الأعوام 1987-1994) ، ولتحقق الانتفاضة المتواصلة مع الثورة وما سبق من ثورات مجد الأمة العربية والإسلامية، واعتراف العالم بالكينونة والشخصية الفلسطينية ثم بالحق الفلسطيني بالاستقلال والحرية والعودة .لقد انتصرت الانتفاضة الأولى لمحاولات كسر الإرادة الفلسطينية وانتصرت للقرار الوطني المستقل ضمن العمق العربي ، وآزرت التوحد الوطني في الداخل والخارج ، وأعادت فلسطين قضية وعلما وكوفية وخريطة.
من العاصفة إلى كتائب شهداء الأقصى:
لقد انطلقت حركة (فتح) وتجددت مرارا فكانت (العاصفة) الجناح العسكري لحركة (فتح) بقيادة ياسر عرفات و أبو يوسف النجار وأبوعلي إياد وأبوصبري و أبوماهر غنيم وزملائهم ، وكان (الكفاح المسلح) إطارا جامعا للفصائل المقاتلة ، وكان الشموخ والإرادة الصلبة مع القادة أبوإياد وأبوالهول وخالد الحسن وأبوالمنذر وأبوحسن سلامة وغيرهم قوافل وقوافل ، ومع الانتفاضة الأولى كانت (لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي ) إبداعا فتحويا، وبرزت مجموعات الفعل العسكري الميداني المقاوم في فلسطين مثل (الفهد الأسود) و(الصقور) و(الجيش الشعبي) وكانت الشهادة من نصيب كثير من القادة الأبطال أمثال أبوالحسن الزرعيني وإبراهيم الزريقي وغيرهم مواكب تترى وتتواصل وتغتسل بماء الثورة المقدس ورائحة الجنة ، الى أن أشرقت سماء الإبداع عن (كتائب شهداء الأقصى) ليعلن التجدد والتواصل للمسيرة . وكانت (اللجان السياسية) واللجنة الحركية ، وكانت (الشبيبة الفتحاوية) و(حركة الشبيبة الطلابية) أطر تجدد وتنبثق من عمق المرونة والإبداع الفتحوي الذي تواصل مع دبيب الديمقراطية في الجسد الفتحوي مع تشكل الأطر النظامية منذ العام 1996، قال تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) العنكبوت 69 .
الانتفاضة والكتائب :
على أثر تراجع الحكومة الإسرائيلية عن الاستحقاقات المتمثلة بالانسحابات المتتالية من أرضنا ، ورفضها المتكرر للتخلي عن احتلال أرضنا وتمسكها بعقلية القوة التعسفية والإرهاب ، وكما عبرت عن ذلك في مباحثات كامب ديفد الثانية التي حاول فيها الإسرائيليون اقتناص نصر على جسد الوطن والشعب الفلسطيني ، التي رفض فيها الجبل الأشم الرئيس القائد العام ياسر عرفات ، رفض التفريط بالأرض أو القدس أو حق العودة ، ومن ثم في إمعان العدو الإسرائيلي في سياسة العدوان والاستيطان والقتل والتهديم للبيوت والاعتقال الفاشي ، على أثر مجمل هذه العوامل وغيرها انطلقت شرارة الانتفاضة المباركة انتفاضة الأقصى والقدس والاستقلال مع التدنيس الهمجي لمجرم الحرب المعروف أرئيل شارون لباحات الحرم الشريف فكانت دماء الشهداء الستة في باحة الحرم وهم يصلون راكعين في 29/9/2000 إيذانا بانطلاقة ، وتجدد لحركة (فتح) ما طال انتظاره ، واستمرارا لنضالات الشعب الفلسطيني المكافح . لقد ابتدأت مرحلة جديدة تبرز على السطح مع رجال جاءوا مع الشمس كما (العاصفة) وركضوا (شبيبة) باتجاه النصر بسرعة (الفهد الأسود) وبقدرة (الصقور) على الارتفاع في سماء الوطن فتشكلت (كتائب شهداء الأقصى ) بوحداتها المختلفة في محافظات شمال الوطن وجنوبه (الضفة الفلسطينية وقطاع غزة) ، ومنها لجان المقاومة الشعبية وكتائب العودة ، تشكلت إطارا جامعا لطالبي الشهادة من أبناء الوطن وتنظيم حركة (فتح) أعضاء وأنصار وأصدقاء ، ولترسم ملامح مرحلة فتية ، وتلبس ثوب الفعل النضالي المتزن بالرد والمتفوق بالفعل الأخلاقي ، قال تعالى ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) التوبة 14 .
يتبع ....